يكون متتبعات المجلة النسائية “Khmissa.ma”، و قراء جريدة “le12.ma” عربية طيلة الشهر الفضيل على موعد يومي مع حلقات “مول الحانوت” يكتبها تاجر القرب الطيب آيت باها، تكشف خبايا وأسرار علاقة “مول الحانوت” بالعابرين والجيران و “كناش الكريدي” والثقل الضريبي.. إلى جانب حكايات مع بيع حليب رمضان و”قوام الحريرة” ومحنة قرار الإغلاق الليلي للعام الثاني على التوالي.
إليكم الحلقة (27)
لا تَحلم بالقدْر الذي قد تَصيرُ عليه مثل مهاجرٍ سرّي قضى رحلته تائها في أعراض المحيطات بلا نهاية، ودَع اليأس يروي طبيعة تفاصيله، لكي لا تبدو في زمن الرّتابة مجرّد واهمٍ يَنهلُ من الخُرافة، فلَعلّه يوما ما سينقشعُ التّدليس، حينها على الأقلّ، لن تَعدَم ما تبرّرُ به، أنّك كُنت رغم شساعة المحيط واثقا بِسَعَةِ الحُلم!!
عندما أتكلّم بأسف وحسرة وحُرقة على حال قطاع التّجارة، وما بلغه اليوم من تراجع وانسداد في الأفق وتدهور واضح وجليّ، فهذا لا ينفي بتاتا أنّ منتسبيه لم يجنُوا منه شيئا بالإطلاق، بل بالعكس، وهذه طبيعة ومنطق الإستثمار، بل أيضا، والمحفّز الذي يجعلني عند مقارنة ما مضى بما يجري اليوم، لا أتوقّف عن إثارة الموضوع، كُلّما اشتَدّت أجواء الخريف، وطالت مُدّته، وأصبَغ بالإصفرار على أوراق الأشجار الجافّة لونَ الموت الشّاحب، منذرا بتواصل تساقطها تباعا، ولكأنّ عقارب زمن القطاع قد توقّفت عند هذا الفصل القاسي دون باقي الفصول، حتّى لا يعود الرّبيع الذي كان عليه على الأقلّ كَما ذِي قَبل!!
الوضع الكارثيّ الذي بَلغهُ قطاع التّجارة ليس قدَرا ربّانيا تستحيل معالجته، بل هوّ نتيجةٌ حسابيّة حَتميّة، خاضعة لمنطق عِلم الجبر، لم نكن لنحصل عليها، لولا نظريّات جبر الخواطر التي يعتمدُها المنتسبون عند اختيار مُمثّليهم! ولتجاوز هذا الوضع العقيم، يتعيّن كخطوة أوّلية أن ينطلق مول الحانوت من نفسه، ليصنعَ منها نموذجا إصلاحيّا قابلا للتّرويج بين أقرب المقرّبين وفق قاعدة: “كُـن أنت مـول الحانـوت الذي تراهُ مُنسجما مع شخصيّتك، مُتوافقا مع طموحاتك، ومُقتنعا بقُدُراتك، ودَع عنك ما تزعُم أنّهُ يُعرقل تقدُّمك، لأنّ ما أنتَ عليه هوّ الحقيقة الثّابتة، وما دون ذلك مجرّد تهيُّؤات متجدّدة” !!
على الرّغم من حالة الإنتشار الكاسح التي يتميّز بها مول الحانوت عن باقي الحرف والمهن زمانا ومكانا، دواما بلا إنقطاع، حتّى أنّه ليكاد يستحيلُ في التّجزءات السّكنية حديثة البناء وشبه الفارغة من السّكّان، أن يَتجرّأ نشاط كيفما كان صنفه، فيُعلن الإفتتاح قبل تابقّالت!! على الرّغم ممّا سَلفَ ذكره، أو ما لا يمكن أن تخطئه عين الملاحظ، لوَفرَته، ودون داعي لإعادة ذكره، يَحزّ في النّفس كَوْنَ أكبر غائب في الوجود هوّ مول الحانوت ذاته !!
كلّ هذا مؤسف للغاية، غيرَ أنّ الطّامة الكبرى التي استَدعَت تدخّل جلالة الملك بكلّ حزم في سَير الحكومة والإعلان عن تعديل ضروري! لا يُمكن إغفالها، بل وتقتضي المرحلة إسقاطها على واقع التّجارة، دون وازع، أو شعور بالدّونية، أو باعث على الحرج، بدليل أنّه يوجد من الكفاءات خلف كونتوارات المحلّات التّجاريّة، ما لا يوجد في أجهزة التّنظيمات والغرف المهنيّة! حَتما، إذا ما أحسن جمهور مّالين الحوانت توظيف أجدَرها لتجويد تمثيليّاته، فسيخرج القطاع من عنق الزّجاجة، ويتعافَى !!
طبعا بوسع مول الحانوت أن يبدو بمظهر الأسد الذي لا يتوقّفُ عن الزّئير بداخله، ولكن شرط أن لا يستسلم في معركة شحن العقول بالتّفاهات، وكسر الهِمَم، ثمّ يبادر ببديع الفكر إلي تفنيد ما ملأ المخيال من أقبح الصّور النّمطيّة رَكاكةً! كذلك من شأن دفاعه المشروع على وضعيّته الطّبيعية كشريك في السّوق لباقي الفعاليات الإقتصاديّة ذات العلاقات التّجارية معه، أن يُوازن، ويُعَدّل بشكل علمي قويم جميع الإختلالات، التي تطبعُ الإستراتيجيّة مفقودة الصّلاحية، التي ساقت، ثمّ أودَعَت القطاع بما له وما عليه رهن الإستعباد، بتأييد ومباركة من تمثيليّات الزّينَة الفَخّار !!
ختاما، وفي ظلّ إعداد قانون الماليّة المُرتقب ألفَين وعُسْرَين، ونحن نتضرّع إلى اللّه كي يرزقنا بعد العُسر يُسراً! نُحيلكم مرّةً أخرى على التّساؤل العالق بين المُكوث والحَلّ: – ألَا ما بالُ زهرة “الحانوت” ذَبُلت، وطال شُحوبُها ؟
الطيب آيت أباه : تاجر