يكون قراء ومتتبعي جريدتي خميسة.ma، و “le12.ma” عربية طيلة الشهر الفضيل على موعد يومي مع حلقات “مول الحانوت” يكتبها تاجر القرب الطيب آيت باها، تكشف خبايا وأسرار علاقة “مول الحانوت” بالعابرين والجيران و كناش “الكريدي” والثقل الضريبي…إلى جانب حكايات مع بيع حليب رمضان و “قوام الحريرة” و محنة قرار الإغلاق الليلي للعام الثاني على التوالي.
الحلقة (13)
الكثيرُ مِن عادات المغاربة ترسّخت في أذهانهم بفعل الوراثة، حتّى باتَ أغلبُها مرادفا للطّقوس المُرافقة لبعض المناسبات، أو ما يمكن اعتباره “أدَبيّات” ضروريّة ومُلحّة لإضفاء نوع مِن الرّضى، على أنّ الأمرَ المَعنيّ بها على ما يُرام. ومِن هذه “المُعتقدات” ولو أنّ التّعبير فيه نوع من المُبالغة “الإيمانيّة”، ما يُصطلح عليه ب “الأربعينيّة” التي تَسبق شهر رمضان المبارك.
هذه الفترة المُحَدّدَة بدون سَند قويّ، وبما يتخَلّلُها من عادات شكليّة، لا أساس لها جوهريّ يرتبطُ بأصول ديننا السّمح في عُمق فحواه. يتعاملُ معها المغاربة بمختلف مستوياتهم الإجتماعيّة والإديولوجيّة، كلّ حسب مَرجعيّته والطّبقة المَنطِقيّة التي ينطلقُ منها، أو تُحدّدُ مِنهاجه الفكريّ!!
دَعوني بحُكم خِبرتي المتواضعة في مهنة البقالة، والتي تعَدَّت مهنة المتاعب بكثير، حتّى إستحقت لقَب “مواد الْغْدَايْدْ”! دَعوني أبحِرُ بكم في مُحيطها لكي تكتشفوا بأنفسكم حجم الإستعداد والتّأهب الذي يُوليهِ مول الحانوت لإستقبال الشّهر الفضيل، هوّ الذي يَصوم الدّهر بطوله وعرضه، ليفطرَ في الأخير، كما يُقالُ تهكُّما على بَصَلة!!
نَعم يُفطر على بَصَلة، لأنّ مَن يُشرفون على قطاعه ضَلُّوا سبُل التّنميّة، وتاهوا بمصالحه في دروب اللّامُبالاة بدون بَوْصَلة، ولا يتذَكّرون وُجوده إلّا مِن أجل مَلءِ القاعات في الإستعراضات السّياسيّة، والدّليل هوّ ما يُرافقُ الإستعداد ترقُّبا لقدوم رمضان مِن تعبئة مُناسباتيّة، وبناءٍ لحواجز تفتيشيّة موسميّة تُذَمّرُ نفسيّة مول الحانوت، كما لو كان الأمر يتعلّق بنَصبِ كمائن للإطاحة بمُجرمين مُصنّفين خَطر، مع أنّ كلّ المؤشّرات التي تعُجّ بها السّوق، تؤكّد بما لا يدع للشّكّ مَوطئَ قَدم، أنّ “عِيبْ البْحيرَة تْفْتاشْها” وليس صَلْبَ مول الحانوت في كلّ مناسبة أو بدونها!!
نحن طبعا مع لِجن المُراقبة، ولا يُمكن بتاتا أن نُنفي أهميّتَها القُصوى في تحقيق الأمن الغدائيّ، وتوفير السّلامة اللازمة للمواطنين، ولكن بالموازاة مع تمكين مول الحانوت من أبسط حقوقه الكامنة في كرامةٍ أساسُها أمنٌ نفسيّ، بدونه، ومهما بلغَ الإستقرار المادّي من مستويات رقميّة، فستشُوبُ المنظومة برُمّتها إختلالاتٌ وعيوبٌ مِن شأنها أن تُبطِلَ كلّ ما بُنِي على باطل!!
عاداتٌ كثيرة لا يتّسعُ المجال لذكرها، لها ارتباط برقم 40 في مخيّلة المغاربة، أشهرها الكيلومتر 40، بحَيثُ لا أحد يُنكر أنّ القوانين الجاري بها العمل على مستوى المراقبة الطرقيّة، قد آتَتْ أُكُلها، والدّليل الإلتزام الواضح بالسّرعة تفاديا للغرامات المُندرجة في هذا الصّدد، والسّرّ في ذلك، أنّ الرّادارات لا تُفرّق بين الميرسيديس كلاص وبين الإيركاط!!
كذلك يرجو مول الحانوت مِن المعنيّين بتسيير الشّأن العامّ، أن يتوجّهوا بفائق عنايتهم إلى السّوق، كما يَزخرُ به مِن أشكال “التّجّار” مِن كلّ حَدب وصَوب، في تكريس سليم لقيَم الإحترام والمساواة والرّضى بالنّصيب، تُُشبه إلى حدّ ما طُقوس الدّخول إلى المَدينة، أو حتّى بشكل كاريكاتوري، خَربَشات الإقلاع عن شُرب الخمر 40 يوما قبل شهر الصيّام والقيّام.
إقلاع مؤقّت يا ما كان تمهيدا لإقلاع نهائي، انتصرت فيه المساجد على الحانات بركعات التّراويح!! فمتى يحِلّ الدّور على مول الحانوت، حتى ننتصرُ له في معركة الوَعي بركلات الضّمير ؟
الطيب آيت أباه : تاجر