الفيلم الذي قيل إنه يستند على قصة حقيقية، هو في الحقيقة أخذ من القصة ربعها أو أقل، وحرَّف كثيرا مما جاء في رواية “أيام الماعز” للكاتب الهندي بنيامين.
*حسن عين الحياة
عندما فاجأتني الدعاية المكثفة لفيلم “حياة الماعز” في منصات التواصل الاجتماعي، (فايسبوك، إكس، انستغرام، تيك توك وسناب شات…)، توقفت للحظة حتى أستوعب هذا الكم الهائل من الأخبار حول فيلم لا أعلم عنه شيئا، خاصة وأنني من هواة مشاهدة الأفلام، جديدها وقديمها، وتتبع أخبار حتى التي هي في طور التصوير.. وفي لحظة الاستيعاب تلك، كانت الأسئلة تكبر في ذهني حول الجهة التي أفرغت كل هذه الحمولة في هذه المنصات دفعة واحدة، وكيف ركزت على مشاهد بعينها لصناعة موقف مسبق عند المتلقي، حتى ولو لم يشاهد الفيلم بعد.
ولأن لكل مُفاجَئٍ دهشة، نقبت عن الفيلم برغبة ملحة في معرفة التفاصيل، فوجدته متاحا، وبجودة عالية بعديد المواقع المتخصصة في عرض الأفلام وتحميلها، فتساءلت مرة أخرى عن هذا الكرم، خاصة وأن الفيلم مايزال قيد العرض.
الفيلم الذي قيل إنه يستند على قصة حقيقية، هو في الحقيقة أخذ من القصة ربعها أو أقل، وحرَّف كثيرا مما جاء في رواية “أيام الماعز” للكاتب الهندي بنيامين..
ففي الفيلم، يعيش البطل “نجيب” الذي تزوج حديثا، حياة سعيدة في قريته “كيرلا” جنوب الهند، بالرغم من صعوبة الحياة هناك، لكن بمجرد أن تطأ قدماه المطار في العربية السعودية مع صديقه، حتى يعيش “الحكرة” والظلم والاستغلال البشع من قبل “كفيل مزيف”.. وسيظل البطل يبكي ويتألم طيلة الفيلم حتى “طلعت الكتبة”، في محاولة لكسب تعاطف المتلقي معه ومع أمثاله. في حين تحكي الرواية التي اقتُبس منها سيناريو الفيلم، أن نهاية البطل نجيب كانت سعيدة، وأنه بعدما طالب “الكفيل المزيف” بحقوقه، ورفضها الأخير، ومطالبته بتسريحه على الأقل، نشب بينمهما صراع أدى بنجيب إلى قتل “الكفيل” بعد ضربه بقضيب حديدي، ليفر إلى خيمة صديقه الهندي في الجوار.. وحينما حضرت الشرطة واعتقال نجيب، وانتظاره حكم الإعدام، سارع أهل البلدة التي تضم المرعى لجمع أموال الدية لأبناء القتيل، وبعدما وقفوا على حقيقة استغلال والدهم لنجيب، تنازلوا عن حقهم في القصاص، بل سلموه أموال الدية، ليعود بها نجيب إلى الهند.. والأكثر من ذلك، أنه أسلم بعد وقوفه على سماحة وعفو أبناء الكفيل..
وبعيدا عن المقارنة بين الفيلم والرواية التي حققت بالمناسبة أعلى نسبة مبيعات عام 2008.. وبعيدا عن الدوافع السياسية التي حركت شركات الانتاج بكل من الهند وأمريكا لإنتاجه، خاصة في هذا الظرف الذي تحاول فيه العربية السعودية التخلص من إرث الماضي.. وبعيدا عن الحمولة السياسية الكثيفة والمبطنة التي شحنها المخرجون الحقيقيون في الفيلم.. وبعيدا أيضا عن نظام “الكفيل”.. وبعيدا عن الدول التي رفضت أن يتم تصوير الفيلم على أرضها، ومن ضمنها، بحسب ما كشف عنه بطل الفيلم “بريثفيراج سوكوماران”، المغرب والإمارات وعمان، قبل أن يستقر الأمر على تصويره في الجزائر والأردن… (بعيدا عن كل ذلك) إن فيلم “حياة الماعز”، بالرغم من الإرادات التي حققها هذا العام، يظل فيلما ضعيفا من حيث البناء الدرامي وتسلسل الأحداث، وأيضا حتى من حيث كلفة الإنتاج.
فبعيدا عن المشاهد التي صورت في مسقط رأس نجيب (كيرلا).. ركز الفيلم على البطل في الصحراء الشاسعة، (وهي طبيعة ديال الله) مع صور أخرى له مع الكفيل المزيف ومساعده والإبل والماعز.. تارة في العراء وتارة في خيمة وتارات أخرى في الزريبة.. بمعنى أن أغلب المشاهد لم تصرف عليها أموال طائلة لبناء المناظر، أو لصرف أجور “الكومبارس”.
قد يلاحظ المشاهد، أن نجيب (البطل) قوي البنية، وأنه كان بإمكانه بعد شعوره بالظلم أن يدافع عن نفسه، خاصة وأن الكفيل المزيف رجل عجوز، وبالتالي، كان سهلا التغلب عليه، والفرار من قبضته.
وعلى ذكر الفرار، لاشك أن كثيرين مثلي، كانوا يتساءلون لماذا لم يستغل نجيب غفلة “الكفيل” والفرار عبر سيارته؟.. أو لماذا ساعة الفرار الأخير، وهو الذي خبِر الصحراء بعد سنوات من الاحتجاز، لم يستغل الإبل التي أطعمها، في أن يأخذ منها ثلاثة، واحدة له والثانية لصديقه الهندي والثالثة للإفريقي الذي سيرشدهم إلى طريق الخلاص، وبالتالي الاستعانة بها في رحلة شاقة ومميتة؟.. والأكثر من ذلك، لماذا لم يأخذ معه قربة الماء الذي كان متوفرا في المرعى.. حيث فضل البطل أنه “يُدَوِّش” على أن يستعين بالماء في صحراء، الطريق فيها مفتوحة على كل الاحتمالات؟
ثم لماذا أظهر الفيلم نجيب نحيف البنية بفعل الجوع، وهو الذي يرعى الغنم بعيدا عن أعين الكفيل في الصحراء، وبالتالي بإمكانه أن يستفيد من لبنها، ومن لحمها إن شاء..؟ ثم لماذا لم يخبز له خبزا، وقد أصر الكفيل ومساعده على أن يتعلم كيف يخبز ويطهو على الرمال الساخنة؟.. والأكثر من ذلك، إنه في الوقت الذي ظن المتلقي أن البطل استسلم لمصيره وأنه يعيش بمفرده مع الغنم والإبل، ظهر فجأة صديقه الهندي بعد طول غياب، دون أن يُفرد له المخرج مشاهد قبلية، لتطبيع العين معه، حتى إن ظهر، يكون ظهوره مقبولا؟.. أما التركيز على علامة تجارية في المطار، وتخصيص مشهد خاص لها في الأخير من خلال القارورة باعتبارها الخلاص.. فهذا حديث آخر.
عموما.. إن هذا الفيلم الذي صنف على أنه يندرج في خانة “أفلام البقاء على قيد الحياة” لم يرق، رغم التكنولوجيا وعصر التلاعب بالصورة إلى فيلم “لو بابيون” لبطله ستيف ماكوين، ولا لفيلم ” Cast Away” أو “المنبوذ الذي شخص بطولته الأسطورة طوم هانكس ولا لعديد الأفلام التي عاد فيها البطل من الموت..
*كاتب صحفي ومسرحي