في ليالي استثنائية بكل المقاييس عنوانها التنوع والتميز، عاشت جماهير منصة موقع شالة التاريخي، لحظات ماتعة على إيقاع مزيج موسيقي مغربي أوروبي صدح طيلة أربعة أيام في عاصمة الثقافة الإفريقية. وتوالت الأمسيات الساحرة لهذا المهرجان داخل أسوار شالة الأثرية بإقامة حفلين كل مساء تحت عنوان “المزج الموسيقي”، حيث التقى أزيد من 50 موسيقيا من المغرب وأوروبا في حفلات فريدة تنصهر فيها الأساليب والأنماط الموسيقية.
ففي اليوم الأول من فعاليات الدورة الـ25 لمهرجان الجاز كان الجمهور الشغوف بفن الجاز على موعد مع حفل موسيقي أحيته مجموعة “أريفا” المكونة من عدة جنسيات، حيث قدمت لوحة موسيقية شكلت مزيجا ما بين عراقة الشرق وثقافة الغرب.
وفي تكريس لشعار المزج الذي ميز هذه الدورة، انضمت المغنية والنجمة الصاعدة، سكينة فحصي، إلى الفرقة، حيث أمتعت أسماع الجمهور الحاضر من مختلف الجنسيات والفئات العمرية، بأغان مستوحاة من فن العيطة وكناوة من قبيل أغنية “القصيدة” و”خربوشة” أغناها العازف عزيز أوزوس بمعزوفات على آلة الرباب الأمازيغي.
وتواصلت فعاليات هذه الأمسية بصعود مجموعة “ماجيك سبيريت كوارتيت” التي تأسست كثمرة لقاء بين مزيج من فنانين من شمال إفريقيا وأوروبا خلال الدورة العاشرة للمهرجان. وقدمت الفرقة رفقة الفنان مجيد بقاس وعازف البوق السويدي كوران كافيس، على إيقاع موسيقى كناوة، مزيحا موسيقيا راقيا بين الجاز والموسيقى المغربية العريقة لاقى استحسانا وتفاعلا كبيرا من قبل الجمهور الحاضر.
وبعد النجاح الكبير الذي حققته الأمسية الأولى من هذا المهرجان والتي حطمت رقما قياسيا على مستوى الحضور، بحسب المنظمين، شهدت الأمسية الثانية توافد جمهور غفير لعشاق الجاز للاستمتاع بحفل زاخر بالتنوع والإبداع أحيته مجموعة أوجانا / يفاج والمجموعة المغربية-البلجيكية-البرتغالية “ماك” .
وتميز هذا الحفل بمزيج من الإيقاعات بين آلات من ثقافات مختلفة، اجتمعت بخشبة مهرجان شالة للجاز، الذي نظمته بعثة الاتحاد الأوروبي بالمغرب، حيث سافر سداسي مجموعة أوجانا / يفاج على مدى أزيد من ساعة من الزمن بالجمهور من خلال باقة من أنجح أغاني كل فنان، من قبيل “قصبة” و “ايتيد صبا زمزم” للأخوين السويسي، قبل أن تختم المجموعة عرضها بأغنية “بلو لاكون” والتي لاقت تفاعلا كبيرا من الحضور.
وتحت تصفيقات الجمهور، جسد التفاعل بين المجموعة المغربية-البلجيكية-البرتغالية “ماك” و الجمهور من خلال الإيقاعات الشرقية للعازف المبدع مصطفى عنتري، لوحة تعكس روح المهرجان المتمثلة في الانفتاح والرغبة في التقاسم.
وفي مفاجأة ألهبت حماس الجمهور، اختار منظمو المهرجان أن تكون فرقة “كباري الشيخات” المغربية التي تعيد إحياء فن العيطة ضيف شرف الليلة الثانية، حيث أدت الفرقة مجموعة من أروع أغاني العيطة بأسلوب عصري جمع بين الحداثة والأصالة.
وكان عرض أول أمس السبت في الموعد والجمهور حاضرا بكثافة في حفل دوك إين أبسولوت”، إحدى أحسن المجموعات الثلاثية العازفة على البيانو في أوروبا، والتي قدمت باقة عصرية بمعية “أكسيل كميل حشادي”.
واختتمت مجموعة “إرنستو مونتنيغرو” الأمسية مع هند النعيرة ذات الطاقة المتدفقة من خلال عزفها على آلة الكمبري وصوتها وشخصيتها على الخشبة.
واختتم أمس الأحد المهرجان بأنغام الجاز الممزوج بموسيقى الفلامينكو مع الثلاثي “نونو غرسيا” والثلاثي زكريا الدغمي الذي سافر بالجمهور في رحلة موسيقية بديعة عبر آلة الشيلو.
وكان مسك الختام مع عازف البيانو ستيفان تسابيس الذي جال في منطقة المتوسط مع أصوات نسائية متنوعة ومتناغمة رافقها عادل شرفي العازف على آلتي الناي والكمان.
وبإحياء هذه الحفلات واصل مهرجان الجاز بشالة مد جسور التواصل بين أوروبا والمغرب في وفاء للشعار الذي اتخذه منذ أول دورة له سنة 1996، “الجاز الأوروبي والموسيقى المغربية”.
ووضع المهرجان الذي نظم هذه السنة في إطار الاحتفاء بمدينة الرباط عاصمة للثقافة الإفريقية، أرضية للقاءات موسيقية تمزج بين الجاز الأوروبي وألوان موسيقية تعبر عن جميع جهات المملكة.
والأكيد أن هذا الموعد الموسيقي، الذي أضحى لا محيد عنه بالنسبة للشغوفين بالفن والإبداع، سلط الضوء على الغني والتنوع والأوجه متعددة الأشكال لثقافة ألفية، مغربية منغرسة في التاريخ ومنفتحة على المستقبل، وأبرز قيم الحوار والاحترام المتبادل على غرار قيم الشراكة التي تجمع بين المغرب والاتحاد الأوروبي.