تعد اسمهان الوافي، إحدى النساء المغربيات اللواتي نجحن في بصم مسار مهني حافل بالمنجزات العلمية في مجال الأبحاث المتعلقة بعلم وراثة النباتات، مما أهلها لتبوء مناصب مرموقة على المستوى الدولي منها كبيرة العلماء لدى منظمة الأغذية والزراعة للأمم المتحدة (الفاو) منذ شتنبر الماضي.
تجمع السيدة الوافي بين تكوين أكاديمي متميز في المجال الزراعي سواء بالمغرب أو خارجه، وشغف كبير بالعمل الجماعي الهادف الى تحسين ظروف السكان بالمناطق الهامشية بمختلف بقاع المعمور، وذلك من خلال مشاريع مدرة للدخل اعتمادا على الزراعة وبالتالي المساهمة في القضاء على الجوع وكذا الفقر، كما تسعى الى ذلك منظمة الفاو.
وأشادت منظمة الفاو بالباحثة المغربية التي قالت عنها، إنها تمتلك معرفة علمية « غنية وواسعة بمنطقة الشرق الأدنى وشمال إفريقيا وستشكل ثروة حقيقية للاستجابة للتحديات التي تواجه المنطقة ».
الخبيرة المغربية، التي أعلن المدير العام للفاو شو دونيو، عن توليها منصب كبيرة العلماء بمناسبة المؤتمر الإقليمي ال35 للمنظمة لمنطقة الشرق الأدنى وشمال إفريقيا يومي 21 و22 شتنبر الماضي، تعد من مناصري تنويع المحاصيل المهملة وغير المستغلة بالكامل، وإعادة النظر في النظم الغذائية ككل . وهي تشتهر دوليا أيضا بعملها على تشجيع استخدام المياه غير العذبة في الزراعة، وتمكين المرأة في مجال العلوم.
ترعرعت السيدة الوافي بمدينة اليوسفية وسط المغرب، قبل ان تنتقل الى مراكش حيث نالت شهادة الباكالوريا من ثانوية القاضي عياض، وتميزت بتفوقها في المواد العلمية لاسيما الرياضيات الأمر الذي أهلها للالتحاق بمعهد الحسن الثاني للزراعة والبيطرة الذي حصلت فيه على درجة البكالوريوس في العلوم الزراعية سنة 1994، ثم درجة الماجستير في علم الوراثة وتربية النبات قبل أن تلتحق بكندا، حيث عملت هناك لسنوات لاسيما في وزارة الزراعة الكندية، والوكالة الكندية لرقابة الأغذية.
وفي سنة 2012 شدت اسمهان الرحال الى منطقة الخليج وتحديدا بدبي بالإمارات العربية المتحدة، حيث تولت منصب مديرة عامة للمركز الدولي للزراعة الملحية »إكبا » الذي ظلت تشتغل فيه الى غاية تعيينها كبيرة العلماء بالفاو وهو منصب جديد أحدثته المنظمة.
وحرصت السيدة الوافي طيلة إدارتها للمركز على بلورة مبادرات وتعزيز مشاريع البحث الأمر الذي جعل المؤسسة تتميز في مجال الابتكارات وتحقيق سبل العيش المستدامة والأمن الغذائي والمائي، والتغذية السليمة عن طريق تعزيز الإنتاجية واستدامتها في البيئات الهامشية.
وفي هذا الإطار، عمل المركز على اختبار وإدخال المحاصيل البديلة والتقنيات الذكية مناخيا والتي تتسم بالكفاءة في استخدام الموارد والأكثر ملاءمة لمختلف المناطق المتأثرة بالملوحة من أبرزها « الكينوا » و »الساليكورنيا ».
وبعد قرابة عقد من البحوث، طور المركز خمسة أصول وراثية من نبات الكينوا مرتفعة الإنتاجية ومتحملة للملوحة والحرارة، تنتج ما يصل إلى 3 طن من البذور لكل هكتار.
وتم اختبار وإدخال هذه الأصناف الوراثية في عدة بلدان حول العالم في مقدمتها الامارات والمغرب.
كما استطاع المركز إحراز قفزة نوعية في ميدان زيادة الغلة لنبات الساليكورنيا، الذي يمكن سقيه بماء البحر علاوة على استخدامه كعلف ووقود حيوي مما يؤهله لتحسين معيشة مزارعي الأرياف محدودي الدخل في البيئات الساحلية الهامشية، حيث تم تسجيل غلة بذور وفيرة وصلت إلى ثلاثة أطنان من البذور في الهكتار باستخدام مياه البحر .
السيدة الوافي التي حازت أيضا على درجة الدكتوراه في علم الوراثة من جامعة قرطبة، باسبانيا (2000)، عملت كخبيرة لدى العديد من المنظمات الدولية للبحوث، بما في ذلك المركز الدولي للبحوث الزراعية في المناطق الجافة (إيكاردا)، والمركز الياباني الدولي لبحوث العلوم الزراعية، والمركز الدولي للذرة والقمح.
وتقديرا لإسهاماتها في مجال العلوم والبرامج الزراعية الدولية، نالت اسمهان العديد من الجوائز والأوسمة المرموقة، منها وسام المكافأة الوطنية من درجة ضابط الذي وشحه بها صاحب الجلالة الملك محمد السادس، بمناسبة عيد العرش سنة 2014، وجائزة الامتياز في العلوم من منتدى المفكرين العالميين في نفس السنة، وجائزة المرأة العربية في فئة العلوم عام 2016.
وفي عام 2014، صنفت مؤسسة علوم المسلمين الدكتورة الوافي بين « النساء العشرون الأكثر تأثيراً في العلوم داخل العالم الإسلامي »، ضمن فئة « الشخصيات المُؤثرة »،في حين صنفها المدير التنفيذي لمجلة الشرق الأوسط بين أقوى 100 امرأة عربية على مستوى العالم ضمن فئة العلوم في سنة 2014 و 2015.
وفي حديث لوكالة المغرب العربي للأنباء، قالت السيدة الوافي إن المرأة المغربية تتميز بتحصيلها العلمي القوي وتكوينها الاجتماعي عالي المستوى، مما يساعدها على اكتساب الفرص وتحقيق المزيد من النجاح على مختلف الأصعدة في الخارج، حيث البيئة محفزة على التطور والنجاح.
وأضافت أنه على صعيد دولة الإمارات العربية المتحدة، ازدادت خلال السنوات الأخيرة أعداد الكفاءات المغربية القادمة بشكل خاص من أمريكا الشمالية ومن أوروبا من ذوي المؤهلات العالية والخبرات الطويلة، والتي ساهمت في جلب مجموعة متنوعة من المهارات والخبرات.
وحول وضعية المرأة المغربية في السنوات الأخيرة، أبرزت الخبيرة المغربية، أن المغرب شهد بشكل عام تطوراً ملحوظاً في ما يتعلق بالسياسات والقوانين والتشريعات الخاصة بالمرأة، إلا أن الحواجز الاجتماعية والثقافية مازالت تشكل عوائق رئيسية تعترض مسيرة مساواة المرأة مع الرجل من ناحية الحقوق و المكتسبات، داعية الى اتباع نهج تدريجي لتمكين المرأة، وافساح المجال أمامها لاكتساب المزيد من الفرص في مختلف الميادين.
إن تفاني اسمهان الوافي وإخلاصها في العمل وإسهاماتها المتميزة في مجال العلوم والبرامج الزراعية الدولية، أهلها لتصبح من النساء الرائدات من مغاربة العالم، كما جعل منها نموذجا يحتدى بالنسبة للشباب المغربي الذي يطمح في المساهمة في تنمية بلده في مختلف الميادين وتقديم خدمات تفيد البشرية.